حال المال والاقتصاد

أوروبا على عتبة خفض جديد للفائدة وسط عواصف الرسوم

أوروبا على عتبة خفض جديد للفائدة وسط عواصف الرسوم

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الثلاثاء 15 أبريل 2025 02:20 صباحاً - تنفّست الأسواق الصعداء بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، في خطوة هدفت على ما يبدو إلى تهدئة التوترات المتصاعدة، وإعطاء مساحة أكبر للتفاوض، لكن هذا التراجع المؤقت لم يبدّد بالكامل حالة «عدم اليقين»، التي تخيّم على المشهد الاقتصادي العالمي، في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب المثيرة للجدل، لا سيما في ما يتعلق بالنهج التصادمي تجاه الشركاء التجاريين، ومع استمرار التصعيد مع الصين على نحو مثير، برفع الرسوم المفروضة عليها إلى 125 %.

وفي ظل تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم تبقى تداعيات هذه التوترات محور اهتمام صانعي السياسات النقدية حول العالم، فالبنوك المركزية تتابع بحذر التطورات الجيوسياسية والاقتصادية، وتضعها في صلب قراراتها المقبلة.

وفي ظل هذا المشهد يعقد البنك المركزي الأوروبي اجتماعه في 17 أبريل، وسط ترجيحات متزايدة باتخاذ خطوة نحو خفض الفائدة في محاولة لدعم النمو، الذي بات مهدداً بفعل التوترات التجارية وتقلّبات الأسواق، بينما تشير تقديرات محللين من جي بي مورجان إلى خفض أسعار الفائدة الأوروبية 4 مرات إضافية هذا العام.

البنك المركزي الأوروبي، على غرار باقي نظرائه في الاقتصادات الكبرى، ينظر بقلق إلى التأثيرات الأوسع نطاقاً للحرب التجارية القائمة، وانعكاساتها على التجارة والاستثمار، فضلاً عن التوترات السياسية المتزايدة بين ضفّتي الأطلسي.

وتُعد هذه الملفات بمثابة مؤشرات إنذار مبكر، تدفع صناع القرار إلى إعادة تقييم توجهاتهم في بيئة اقتصادية باتت أكثر هشاشة مما كانت عليه قبل سنوات قليلة.

وتتزايد المخاوف من ركود محتمل، خاصة في ظل إشارات تباطؤ النمو العالمي، وعودة شبح التضخم، الذي خاضت البنوك المركزية معركة ضارية لكبحه منذ العام 2022.

وبين ضغوط الأسواق وتضاؤل هوامش المناورة تجد البنوك المركزية نفسها أمام خيارات محدودة وصعبة، بينما تحاول موازنة سياساتها بين احتواء المخاطر وتعزيز الاستقرار.

خيارات محدودة

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي السابق في قسم الأبحاث ببنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، الأستاذ بقسم الاقتصاد في جامعة كيس وسترن ريسرف، مارك شفايتزر، لـ«حال الخليج»: إن «خيارات البنك المركزي الأوروبي للاستجابة لصدمة الرسوم الجمركية محدودة، ذلك أنه يركز في سياساته على استهداف التضخم، ولكنه يُولي بالضرورة اهتماماً كبيراً أيضاً للتوقعات المستقبلية والاستقرار المالي لتحقيق هدفه الرئيسي».

وفي ظل اضطراب الرسوم الجمركية يتأثر التضخم والنمو والاستقرار المالي، ولكن بدرجة غير مؤكدة، فعلى سبيل المثال ستؤدي حرب الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار بعض السلع، ولكن قد تخفض أسعار بعض السلع الأوروبية أيضاً في ظل انخفاض الطلب الدولي.

وبحسب شفايتزر فإن ارتفاع حالة عدم اليقين سيؤدي إلى انخفاض استثمارات الشركات، وإضعاف إنفاق المستهلكين بمرور الوقت، غير أن المسار الدقيق غير معروف، وسيعتمد على السياسات التجارية الصادرة عن واشنطن، فيما تُفاجئ هذه الصدمات الاقتصادية الأسواق المالية، وقد تكشف عن مشاكل غير متوقعة في الاستقرار المالي تتطلب دعماً من البنك المركزي.

وفي هذه البيئة سيكون من الصعب تحديد المسار المناسب للسياسة النقدية، ومن المرجح أن يتغير المسار المناسب مع حل أو تنامي حالة عدم اليقين.

ويلفت في هذا السياق أيضاً إلى أن تعليق الرئيس ترامب للرسوم الجمركية: «يعد مثالاً واضحاً على حالة عدم اليقين المستمرة، التي ستواجهها البنوك المركزية، والتي سيتعين عليها انتظار مزيد من الوضوح في سياساتها قبل تقديم أي رد حاسم»، مضيفاً: ومع ذلك لن يتطور وضوح السياسات إلا ببطء»، بينما الخبر السار هو أن إدارة ترامب تبدو أقل ميلاً إلى حد ما لاتباع الصيغ الأكثر تطرفاً من الرسوم الجمركية، التي كانت مطروحة.

وكان المركزي الأوروبي قد خفض سعر الفائدة على الودائع إلى 2.5% الشهر الماضي، وحال أقدم البنك على خفض الفائدة في اجتماع المرتقب هذا الشهر سيكون الخفض السابع على التوالي منذ منتصف العام 2024.

يأتي ذلك في الوقت الذي يحذر فيه الكثير من صناع السياسة النقدية والاقتصاديين إلى أن تداعيات الحرب التجارية الوشيكة قد تُكبّد منطقة اليورو خسائر كبيرة على صعيد النمو الاقتصادي، وهي خسائر قد تفوق بكثير أية مخاطر تضخمية محتملة.

أربع أدوات رئيسية

الرئيس التنفيذي وكبير الاقتصاديين في معهد أفريو، الدكتور شون دوبرافاك، يقول لـ«حال الخليج» إنه لدى البنوك المركزية، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، العديد من أدوات السياسة واستراتيجيات التواصل، التي يمكنها النظر فيها. توفر هذه الأدوات دعماً حقيقياً للسوق، والأهم من ذلك أنها تساعد أيضاً في الحد من حالة عدم اليقين المتزايدة.

أولاً، يمكن للبنوك المركزية خفض أسعار الفائدة؛ للمساعدة في تحفيز النشاط الاقتصادي ومواجهة الآثار السلبية للرسوم الجمركية على النمو، كما أن التعديلات السريعة على السياسات تُطمئن السوق بشأن استعداد البنك المركزي للتحرك.

ثانياً، يمكنها تقديم توجيهات استشرافية واضحة حول نوايا السياسات المستقبلية للحد من حالة عدم اليقين، كما يمكن للبنوك المركزية توفير السيولة في الأسواق المالية لمنع الاضطرابات والحفاظ على الثقة.

ورابعاً، يمكن للبنوك المركزية تنسيق الجهود مع البنوك المركزية الأخرى لتأكيد استعدادها للتعاون.

وخلال الأيام الأخيرة أشار عديد من مسؤولي البنوك المركزية حول العالم إلى تأثير إعلانات الرسوم الجمركية على حالة عدم اليقين، وعبروا عن استعدادهم للتحرك حالما توضح البيانات الأثر الاقتصادي.

على سبيل المثال أشار عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي ومحافظ بنك اليونان، يانيس ستورناراس، إلى أن الرسوم الجمركية قد تزيد التضخم، وربما تؤخر تطبيع السياسة النقدية. كما أشار إلى احتمالية أ ن تعطل الرسوم الجمركية سلاسل التوريد، مما يُطيل أمد تأثيرها المحتمل.

كما ذكر رئيس المركزي الفرنسي فرانسوا فيليروي دي غالهاو أن تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي قد يزيد من مخاطر الائتمان على المؤسسات المالية. ودعا عضو لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، جيديميناس سيمكوس إلى خفض أسعار الفائدة في الاجتماع القادم نتيجة للآثار السلبية للرسوم الجمركية.

يعكس ذلك كيف أن إعلانات الرسوم الجمركية تنشئ وضعاً معقداً لمحافظي البنوك المركزية حول العالم، مع تغير ميزان المخاطر. وتضيف الرسوم الجمركية شكوكاً جديدة تعقد قرارات البنوك المركزية المتعلقة بالسياسات.

ويتوقع بنك «يو بي إس» أن يخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.25 %، بهدف مواجهة الركود الاقتصادي الناجم عن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة.

مع وصول هذه الرسوم إلى 20 % تتأثر إمكانات التصدير للاتحاد الأوروبي سلباً عند تطبيقها، مما يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد العالمي. ومع تزايد المخاوف، يتوقع البنك - في مذكرة قبل إعلان ترامب تعليق الرسوم 90 يوماً- ركوداً تقنياً في منطقة اليورو بحلول أواخر عام 2025. يلي ذلك خفض آخر لسعر الفائدة إلى 2% في 5 يونيو.

وكان بنك باركليز قد توقع دخول منطقة اليورو في حالة ركود في الربع الثاني من العام، على أن يستمر ذلك حتى نهاية عام 2025 تحت وطأة التعريفات الجمركية.

عدم الثقة

رئيسة الكونسورتيوم الأوروبي للأبحاث السياسية، الأستاذة بجامعة فيكتوريا، إيمي فيردان، تشير لدى حديثها مع «حال الخليج» إلى تصدع العلاقات على نحو مثير على جانبي الأطلسي، لافتة إلى إعلان ترامب عن رسومه الجمركية - الأعلى من المتوقع- على أوروبا - قبل تأجيلها لها لمدة 90 يوماً في وقت لاحق - وهي الرسوم التي من شأنها -عند تطبيقها عملياً بعد ذلك - أن تسهم في «فوضى عارمة في العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي».

يعقد ذلك مهمة البنك المركزي الأوروبي، والذي يواجه حالة متزايد من عدم اليقين الاقتصادي جراء سياسات ترامب، التي تضع الاتحاد الأوروبي موقف صعب.

ويُتوقع على نطاق واسع أن تتسبب الحرب التجارية في خفض النمو بالنسبة للتكتل الأوروبي، وهو ما عبر عنه البنك المركزي الأوروبي في مارس، عندما أشار إلى تقديرات بخفض النمو بمقدار 0.5 نقطة مئوية في العام الأول للرسوم، منبهاً إلى أن الحرب التجارية من شأنها رفع الأسعار لفترة وجيزة إذا رد الاتحاد الأوروبي.

هذا التراجع المحتمل يعتقد محللون بأنه ربما يكون أكبر من تلك النسبة المُحددة حال تطبيق الرسوم، لا سيما أنها جاءت أعلى من المتوقع.

على الجانب الآخر، ومما يزيد الأمر تعقيداً ما يرتبط بـ«أزمة الثقة» بين الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تشير استطلاعات رأي حديثة نُشرت في 31 مارس الماضي إلى أن 29 % من الجمهوريين لا يثقون بالاتحاد الأوروبي (ويعتبرونه غير ودود). يأتي هذا في أعقاب فترة عصيبة بالفعل، حيث يشعر الأوروبيون بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بتوفير الأمن الأوروبي، تقليدياً، وفق فيردان.

وتضيف: «في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة توفر للاتحاد الأوروبي الحماية العسكرية. وقد انتهت هذه الفترة الآن.، وبالتالي فإن هذين الأمرين معاً: انتهاء الحماية العسكرية والرسوم الجمركية على التجارة يشيران إلى تغيير جذري في العلاقات.

وقد قرر الاتحاد الأوروبي محاولة التوصل إلى «اتفاق» لتجنب الرسوم الجمركية، ولكن إذا لم ينجح ذلك فهم مستعدون لفرض رسوم جمركية انتقامية».

توقعات البنوك العالمية:

«جي بي مورجان»:

4 تخفيضات للفائدة

في العام الجاري

«يو بي إس»:

2 % سعر الفائدة بحلول

يونيو المقبل

«باركليز»:

منطقة اليورو تدخل في حالة ركود خلال الربع الثاني

Advertisements

قد تقرأ أيضا