حال المال والاقتصاد

صراع الهيمنة الاقتصادية.. وحسابات الردع المتبادل

صراع الهيمنة الاقتصادية.. وحسابات الردع المتبادل

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الجمعة 4 أبريل 2025 12:05 صباحاً - في تصعيد جديد للحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، أعلنت الولايات المتحدة فرض تعريفات جمركية متبادلة على جميع شركائها التجاريين، مستهدفة بشكل خاص الواردات الصينية بفرض تعريفة جمركية تصل إلى 34 % على الواردات من الصين، بالإضافة إلى 20 % تم فرضها في وقت سابق من هذا العام.

يعكس هذا القرار تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، في ظل سياسات تجارية أمريكية أكثر تشدداً تهدف إلى إعادة رسم موازين القوى الاقتصادية العالمية، ووسط تحذيرات من تداعيات مقلقة على سلاسل التوريد والاستقرار الاقتصادي الدولي.

في المقابل، لم تتأخر بكين في الرد، إذ عبرت وزارة التجارة الصينية عن معارضتها الشديدة لهذا الإجراء، مؤكدة أنها ستتخذ خطوات مضادة حازمة لحماية مصالحها.

وترى الصين أن هذه السياسات الأمريكية تتجاهل توازن المصالح الذي تم التوصل إليه عبر سنوات من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف، كما أنها تعكس نهجاً أحادي الجانب يتنافى مع مبادئ التجارة الحرة.

ومع استفادة الولايات المتحدة تاريخياً من الانفتاح التجاري العالمي، فإن هذا التحول نحو الحمائية يهدد بإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي الدولي، في ظل تصاعد المخاوف من اندلاع حرب تجارية واسعة النطاق.

تقييمات أحادية الجانب

في هذا السياق، تقول المحللة والكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لـ«حال الخليج» إن فرض تعريفات جمركية متبادلة بناءً على تقييمات ذاتية وأحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة «يُعد انتهاكاً لحقوق الدول الأخرى المشروعة»، كما أنه يمثل نموذجاً لهيمنة الولايات المتحدة الأحادية على شركائها التجاريين.. لذلك، يمكن ملاحظة أن «العديد من الدول التي تربطها علاقات تجارية مع الولايات المتحدة قد عبرت عن استيائها الشديد ومعارضتها الصريحة لهذا القرار الأمريكي، مؤكدةً أنها ستتخذ أيضاً إجراءات مضادة لمواجهة هذه التعريفات الجمركية الأخيرة».

وتضيف: «لقد أثبتت التجربة، كما أكدت الصين مراراً، أن زيادة التعريفات الجمركية لا يمكن أن يحل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، حيث إن هذه المشكلات والتحديات تنبع أساساً من عوامل داخلية أمريكية، وليس بسبب التعريفات الجمركية السابقة.

بل على العكس، فإن الإجراء الأمريكي الأخير سيؤدي إلى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة نفسها، كما يشكل تهديداً للنمو الاقتصادي العالمي واستقرار سلاسل الإنتاج والإمداد في الأسواق العالمية».

تؤكد بكين مراراً أنه لا يوجد فائز في الحروب التجارية، وأن الحمائية الاقتصادية لا مستقبل لها.

لذا، تدعو الصين الولايات المتحدة إلى التراجع عن هذه الإجراءات الجمركية أحادية الجانب، وإيجاد حلول للخلافات من خلال الحوار العادل مع شركائها التجاريين.

وعلى الرغم من أن الصين لم تعلن بعد عن تفاصيل الإجراءات المضادة الجديدة، فإنه استناداً إلى تجاربها السابقة في التعامل مع النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تتخذ الصين إجراءات مماثلة، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية انتقامية على بعض المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة.

إجراءات مضادة

وتشير شين هوا، في هذا السياق إلى أنه في المواجهات التجارية السابقة، اتخذت الصين إجراءات مماثلة، حيث فرضت تعريفات جمركية على المنتجات الزراعية الأمريكية والسيارات والمنتجات الطاقوية.

ومن المحتمل أن تستهدف بكين هذه المرة السلع ذات التأثير الكبير على الاقتصاد الأمريكي، مثل بعض المنتجات الزراعية والطائرات والسيارات، وغيرها، مما سيُلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية رداً على السياسات التجارية الأمريكية الأخيرة.

كما يمكن للصين فتح تحقيقات في قضايا مكافحة الإغراق والدعم الحكومي ضد المنتجات الأمريكية المستوردة، وإذا ثبت أن بعض المنتجات الأمريكية تُباع بأسعار منخفضة بشكل غير عادل أو تحظى بدعم حكومي يضر بالصناعات الصينية، فقد تفرض الصين رسوماً لمكافحة الإغراق والدعم الحكومي على هذه المنتجات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصين تسريع وتيرة مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة مع شركائها التجاريين وتعزيز مبادرة «الحزام والطريق» لتوسيع حجم التجارة مع الدول المشاركة وتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية.

خلال السنوات الأخيرة، عززت الصين تعاونها التجاري مع دول مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والاتحاد الأوروبي، ووقّعت اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من الدول والمناطق، مما وفر فرصاً جديدة لصادراتها.

وفي المستقبل، ستواصل الصين البحث عن فرص تجارية جديدة على المستوى العالمي، وتشجيع شركاتها على التوسع في أسواق أخرى للحد من تأثير السياسات التجارية الأمريكية السلبية، وفق المحللة الصينية، والتي تقول لـ«حال الخليج» إنه «إلى جانب ذلك، يمكن للحكومة الصينية تقديم دعم إضافي للصناعات والشركات المتضررة من الإجراءات الأمريكية الأخيرة، وزيادة استثماراتها في الابتكار التكنولوجي لتعزيز القدرة التنافسية لشركاتها، خاصة في مجالات التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي».

ومن خلال هذه الإجراءات، تسعى الصين إلى تحقيق تحديث صناعي وإعادة هيكلة اقتصادية تعزز قدرتها على مواجهة الصدمات التجارية الخارجية، وتقليل اعتمادها على السوق الأمريكية وعلى المواد الخام والمكونات المستوردة من الولايات المتحدة، مما يزيد من مرونة الاقتصاد الصيني في مواجهة النزاعات التجارية.

علاقات تجارية

بحسب بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فقد بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الصين 582.4 مليار دولار في العام 2024. وبلغت صادرات السلع الأمريكية إلى بكين 143.5 مليار دولار في العام نفسه بانخفاض قدره 2.9 % (4.2 مليارات دولار) عن عام 2023.

وبلغ إجمالي واردات السلع الأمريكية من الصين 438.9 مليار دولار أمريكي في 2024، بزيادة قدرها 2.8 % (12.1 مليار دولار) مقارنة بمعدلات العام 2023. وبلغ عجز تجارة السلع الأمريكية مع الصين 295.4 مليار دولار في 2024، بزيادة قدرها 5.8 % (16.3 مليار دولار) عن عام 2023.

تأثر الاقتصاد الصيني

إلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي لـ«حال الخليج»، إلى أن الاقتصاد الصيني من أكثر الاقتصادات تأثراً بالأحداث الخارجية، نظراً لاعتماده الكبير على المواد الخام المستوردة من الخارج، إلى جانب انتشار صادراته في مختلف الأسواق العالمية، بما في ذلك أوروبا وآسيا وأفريقيا وحتى الولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن أي اضطراب اقتصادي عالمي ينعكس بشكل مباشر على التجارة الصينية.

وفي هذا السياق، فإنه من المتوقع أن يكون لقرار إدارة ترامب بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على البضائع الصينية تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد الصيني، خاصة أن الولايات المتحدة تمثل الشريك التجاري الأكبر للصين.

ويضيف الحسيناوي أن هذا الواقع يدفع العديد من المستثمرين وأصحاب الشركات والمصانع الكبرى في الصين إلى التفكير في نقل أنشطتهم الصناعية والتجارية إلى دول شرق آسيا، حيث تتوفر العمالة الرخيصة، وذلك لتجنب أعباء التعريفات الجمركية وتفادي ركود البضائع بسبب ارتفاع أسعارها.

وتتعدد التحديات التي تواجه الشركات التي لها سلاسل توريد متجذرة في الصين، والتي أصبحت الآن في حالة من الفوضى، حيث تواجه ليس فقط الرسوم الأمريكية المرتفعة بشكل غير متوقع على الواردات الصينية، ولكن أيضاً على دول آسيوية أخرى.

هذا التوجه - في تقدير الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية - يحمل في طياته تداعيات سلبية أخرى، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة في الصين، فضلاً عن خسارة الخبرات الفنية التي تراكمت على مدى أكثر من عشرين عاماً داخل هذه المصانع، مما قد يؤثر على القدرات الإنتاجية للصناعة الصينية في المدى البعيد.

ويشار إلى أنه منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، فرض ترامب دفعتين من الرسوم الجمركية الإضافية بنسبة 10 % على جميع الواردات الصينية، وهو ما اعتبره البيت الأبيض ضرورياً لوقف تدفق الفنتانيل غير المشروع من البلاد إلى الولايات المتحدة، قبل أن يتم الإعلان عن الرسوم الجديدة بنسبة 34 %، ليصبح إجمالي الرسوم الأمريكية المفروضة على بكين 54 %، وهو أعلى مما توقعه الكثير من المحللين والمؤسسات المالية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا