ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 18 يناير 2025 11:25 مساءً - أصبحت عملية التنقيب عن الذهب صعبة وغير متاحة للجميع، بعدما استنفذ الإنسان أغلب موارد الكوكب، ولم يعد جوف الأرض يطرح ذهباً كما كان الماضي مليء بالذكريات عن التعدين والتنقيب عن المعدن النفيس، وفي ظل البحث عن حلول مستدامة ومصادر بديلة، فالذهب ليس فقط مستخرجاً للزينة والحلي النسائية، وإنما يدخل في العديد من الصناعات، وأبرز تلك الصناعات هي الإلكترونيات، التي يستخدم فيها الذهب في الشرائح الإلكترونية والموصلات، مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وحتى بعض شاشات التلفزيون الحديثة، فماذا بعد أن ينفد الذهب من العالم، هل سيبحث الإنسان عن معدن بديل؟ أم هناك حل لإعادة تدوير الذهب واستخراجه من الإلكترونيات الملقاة في القمامة؟
ونشرت صحيفة «ذا برايت سايد أوف نيوز» تقريراً حول إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية المهملة والملقاة في القمامة لاستخراج الذهب منها ومعالجته لإعادة الاستخدام، حيث جاء في التقرير أن التعدين الحضري، أو إعادة تدوير الذهب، أصبح نهجًا مستدامًا لمواجهة الطبيعة المحدودة لترسبات الذهب، إذ يُستمد حوالي 25% من الذهب في العالم الآن من مصادر معاد تدويرها، هذا التحول يعكس التزامًا متزايدًا بتقليل الضرر البيئي.
وتشكل النفايات الإلكترونية، مثل الهواتف المهملة وأجهزة الكمبيوتر القديمة، منجمًا ذهبيًا غير مستغل، يحتوي طن واحد من النفايات الإلكترونية على ذهب أكثر بعشر مرات على الأقل من طن من الخام المستخرج، ومع ذلك، يتم إعادة تدوير أقل من 20% من حوالي 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية التي يتم توليدها سنويًا، وبحلول عام 2030، يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 80 مليون طن متري، مما يبرز الحاجة الملحة لحلول إعادة تدوير مبتكرة.
يُستخرج الذهب المُعاد تدويره من الأجهزة الإلكترونية المهملة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. تحتوي هذه الأجهزة على ذهب قيم يمكن فصله باستخدام عمليات كيميائية متقدمة، مما ينتج ذهبًا معاد تدويره عالي النقاء.
هذا الأسلوب ليس فقط صديقًا للبيئة بل أيضًا استراتيجيًا. فالمنتجون يلجأون بشكل متزايد إلى مصادر معاد تدويرها مع استقرار إنتاج تعدين الذهب، ويقلل هذا النهج الاعتماد على الموارد الطبيعية المحدودة ويقلل البصمة البيئية لعمليات التعدين، حيث يشير الخبراء إلى أن "إعادة تدوير الذهب تساعد في الحفاظ على الموارد وتحقيق التوازن البيئي"، مؤكدين على فوائدها المزدوجة.
وأحدثت التطورات الحديثة في علم المواد ثورة في استعادة الذهب، ومن بين هذه التطورات، أنظمة تعتمد على مركب تتراثيافولفالين (TTF) ، حيث يتميز الذهب بتفاعله الطبيعي مع الروابط المحتوية على النيتروجين والكبريت، مما يجعل ذرات الكبريت في TTF حاسمة في عملية ترابط ذرات الذهب، الأمر الذي يفتح آفاقًا جديدة لاستعادة الذهب من حلول المعادن المختلطة.
فوفقاً للتقرير يستطيع المركب امتصاص جزيئات الذهب التي قد تكون مختلطة مع معادن مختلفة ومتنوعة، ويستطيع المركب فصل الذهب من أي مركب أو خليط معدني.
ويُعرف TTF بكونه شبه موصل من النوع P يتميز بقدرته على التبرع بالإلكترونات واستقراره الضوئي، ويعمل الباحثون حاليًا على دمج TTF في بوليمرات وإطارات عضوية تساهمية (COFs) لتعزيز امتصاص الذهب، تستفيد هذه الإطارات من خصائص TTF الكهروكيميائية، مما يتيح استخراج الذهب بشكل انتقائي من النفايات الإلكترونية مع ترك المعادن الأخرى مثل النيكل والنحاس دون تأثير يُذكر.
في اختراق علمي، طورت جامعة كورنيل فريقًا من إطارات عضوية تساهمية مرتبطة بالفينيل (VCOFs) باستخدام TTF ونُشر هذا الابتكار في مجلة Nature Communications، حيث أظهرت هذه الإطارات أداءً متميزًا، حيث استحوذت على 99.9% من الذهب من النفايات الإلكترونية مع تقليل امتصاص المعادن الأقل قيمة، التي تؤثر على نقاء الذهب، ولا تقتصر هذه الاستعادة الانتقائية على الحفاظ على الموارد، بل تُلغي أيضًا الحاجة إلى المواد الكيميائية الخطرة المستخدمة تقليديًا في استخراج الذهب، مثل السيانيد، تلك المادة السمية التي تتعدد أضرارها على الصحة وعلى العمال القائمين بعملية الفصل وإعادة التدوير.
وساهم الباحث زاده نازاري من جامعة كورنيل في تطوير إطارات VCOFs لاستعادة الذهب بشكل فعال من النفايات الإلكترونية. وصرح قائلاً: "هذه الطريقة تستحوذ على أيونات الذهب وجسيماته الدقيقة دون استخدام مواد كيميائية قاسية أو ضارة بالبيئة، يمكننا بعد ذلك استخدام الإطارات المحملة بالذهب لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية مفيدة، إنها مكسب مزدوج للبيئة."
وتمت إعادة استخدام الذهب المستعاد كعامل محفز لتحويل ثاني أكسيد الكربون (CO2)، وهو أحد الغازات الدفيئة الرئيسية، إلى مركبات عضوية ذات قيمة. يمثل هذا النهج حلاً للتحديات التي تواجه النفايات الإلكترونية ويسهم في تقليل انبعاثات CO2 عالميًا، مما يعكس دورة مستدامة في استخدام الموارد.