حال المال والاقتصاد

ساكسو بنك يتوقع تقلبات كبيرة في الأسواق العالمية مع بدء ولاية ترامب الثانية

ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 15 يناير 2025 10:15 مساءً - سيبدأ الرئيس المنتخب دونالد ترامب فترته الرئاسية الثانية بجدول أعمال مزدحم فور تنصيبه في 20 يناير، حيث وعد بسلسلة من المبادرات والإعلانات السياسية منذ اليوم الأول. وستشهد الأسواق العالمية في الربع الأول من عام 2025 حالة من الترقب وردود الأفعال، حتى قبل اتضاح تأثيرات أجندة ترامب الجديدة.

ومع ذلك، من المتوقع بحسب جون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في ساكسو بنك، أن العديد من مبادرات ترامب 2.0 الرئيسية، مثل الإصلاحات الضريبية وتخفيف القوانين والسياسات المالية، لن تتبلور بالكامل حتى السنة المالية 2026.

وستحاول الأسواق توقع هذه التحركات قدر المستطاع، ما قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة مع محاولة العالم التكيف مع مزيج سياسي أمريكي أكثر حزماً، يولد استجابات متنوعة على المستوى المحلي والدولي.

الولايات المتحدة: إلى أي مدى يمكن لترامب فرض أجندته على العالم؟

استجابت الأسواق بفوز ترامب القوي وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بموجة تفاؤل، مشابهة لتلك التي أعقبت انتخابات عام 2016، حيث ارتفع الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ، وقفزت العوائد الأمريكية، وحققت الأسهم الأمريكية مكاسب واسعة. ولكن مع نهاية العام، ورغم استمرار قوة الدولار والعوائد الأمريكية، شهدت الأسواق بعض التراجع.

فقد سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ذو الوزن المتساوي انخفاضاً بنحو 2% مقارنة بمستويات يوم الانتخابات. يُعزى ذلك إلى التناقضات الكثيرة وعدم اليقين المرتبط بأجندة ترامب 2.0، مما جعل الأسواق مترددة في القفز إلى استنتاجات.

كما ساهم في هذا التراجع التوجه المتشدد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه الأخير في ديسمبر، حيث لم يرغب في الالتزام بمزيد من التيسير النقدي بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي تواجهها الأسواق.

وشهد عام 2024 أداءً استثنائياً للأسهم العالمية، والتي كانت المحرك الرئيسي فيها الأسهم الأمريكية، حيث تمثل الأخيرة حوالي 70% من مؤشر MSCI World. وقد أصبح هذا المؤشر شديد التركيز على الأسهم الأمريكية الكبرى، حيث تشكل أكبر 20 شركة أمريكية نحو 40% من المؤشر.

على الجانب الآخر، حدّ الدولار الأمريكي القوي من مكاسب الأسواق الناشئة خلال العام، بينما كانت أوروبا الأضعف أداءً، رغم الأداء المقبول لمؤشر MSCI Europe عند احتسابه باليورو.

خطة ترامب: هل تبدو سهلة أكثر مما ينبغي؟

تسعى أجندة ترامب إلى إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة لاسترجاع الوظائف الصناعية وتعزيز الأمن القومي، خاصة في سلاسل التوريد الحيوية التي أبرزت الجائحة أهميتها. وفي الوقت نفسه، يهدف إلى معالجة العجز التجاري والمالي الضخم، وتقليل الدين الوطني المتزايد، مع الحفاظ على التضخم عند مستويات منخفضة ودون إحداث أزمات في الأسواق.

لكن هذه الأهداف تحمل تناقضات جوهرية، ما لم يحدث نمو استثنائي في الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي. يراهن ترامب على أن النمو الاقتصادي وزيادة الرسوم الجمركية سيساهمان في تحقيق هذه الأهداف.

من جانبه، أعلن سكوت بيسنت، المرشح لمنصب وزير الخزانة، عن خطة «3-3-3» لدعم أجندة ترامب:

تقليص العجز المالي بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3% عبر تخفيف القوانين والضرائب.

خفض التضخم عبر زيادة إنتاج النفط والغاز بما يعادل 3 ملايين برميل يومياً.

ومع ذلك، قد يكون هذا الطموح بعيد المنال، حيث يتوقع العديد من الخبراء نمواً أضعف بكثير. فالقيود المالية ستؤثر سلباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي، خاصة وأن العجوزات الكبيرة خلال فترة بايدن كانت العامل الأساسي وراء تجنب الاقتصاد الأمريكي ركوداً ما بعد الجائحة.

بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بالسياسات المالية، هناك تحديات من عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية، وتبعات الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. تتوقع الأسواق نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 2.1% لعام 2025، وهو توقع قد يبدو مفرطاً في التفاؤل بالنظر إلى المخاطر المحيطة.

سوق السندات الأمريكية: حقيقة أم تحدٍ؟

شهدت عوائد سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعاً على طول منحنى العائد قبل تنصيب ترامب، حيث يتوقع السوق أن الرئيس الجديد سيقدم مزيجاً من التضخم المرتفع المستمر والعجوزات الكبيرة في الميزانية، وربما نمواً اقتصادياً قوياً.

لكن، هل يمكن لسوق السندات الأمريكية أن يتحمل الأعباء بدون تدخل في ظل الزيادة الكبيرة المتوقعة في إصدار السندات وارتفاع تكلفة خدمة الدين العام الأمريكي، التي يُدفع جزء كبير منها لأجانب غير خاضعين للضرائب على دخلهم من هذه السندات؟ تشير التوقعات الحالية إلى أن فاتورة خدمة الدين العام الأمريكي ستبلغ صافي 1 تريليون دولار في 2025، مقارنة بأقل من 900 مليار دولار في 2024 و650 مليار دولار في 2023.

السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يحدّ من عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل عبر قوى السوق العضوية قد يكون ركوداً اقتصادياً حاداً ناتجاً عن تخفيضات كبيرة في الإنفاق المالي، مصحوباً بهروب من الأصول الخطرة.

ومع ذلك، فإن مثل هذا الركود سيزيد من سوء العجز ومسار الديون، ما سيؤدي حتماً إلى مزيج جديد من التيسير الكمي من الفيدرالي وتحفيز مالي إلزامي سياسياً. في كل الأحوال، يتطلب الأمر على المدى المتوسط والطويل أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بمعدل أسرع من متوسط سعر الفائدة الذي تصدر به الخزانة الأمريكية سنداتها.

تناقش إدارة ترامب بعض الطرق للتعامل مع استقرار سوق السندات الأمريكية على المدى الطويل مع الحفاظ على دور الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية ووسيلة للتعاملات العالمية.

نظرة عالمية: باقي اللاعبين على الساحة

يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة ليست الفاعل الوحيد على المسرح العالمي، وسنرى ردود أفعال من جميع الأطراف العالمية الكبيرة والصغيرة تجاه الأجندة الأمريكية، بالإضافة إلى قضاياها الداخلية الملحّة.

الصين: شراكة في عالم ثنائي أم فوضى متعددة الأقطاب؟

بالنسبة للعلاقات الأمريكية-الصينية تحت قيادتي ترامب وشي جين بينغ، الاحتمالات واسعة جداً، تتراوح بين فكرة ترامب عن «G2» حيث تتعاون الولايات المتحدة والصين لحل مشاكل العالم، وبين «عالم الفوضى» الذي يصفه إيان بريمر، حيث لا توجد قوة عالمية مهيمنة في نظام متعدد الأقطاب.

نتوقع أن يبدأ ترامب بفرض رسوم جمركية محددة مع التلويح بمزيد من العقوبات، لكنه قد يترك باب التفاوض مفتوحاً. في الوقت نفسه، سواء تم التوصل إلى صفقة كبيرة بشأن التجارة والسياسات النقدية بين البلدين، أو حتى اتفاق شامل مشابه لاتفاق «مارالاغو»، ستحتاج الصين إلى إنعاش اقتصادها.

أوروبا: الرؤية من القاع

تتمتع أوروبا بميزة نسبية مقارنة بمعظم دول العالم، وهي أن أوضاعها السيئة تجعل احتمالات التدهور أكثر محدودية. بالنسبة للقوتين الرئيسيتين في منطقة اليورو، فرنسا وألمانيا، فإن التحديات قائمة.

تظل فرنسا الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، والتوقعات تشير إلى استمرار حالة «التعايش مع الأزمات» بسبب مشاكلها السياسية المزمنة وديناميكيات الديون الصعبة. المخاوف بشأن الاستقرار المالي الفرنسي تفاقمت مع بداية 2025، حيث تجاوزت عوائد السندات الفرنسية لعشر سنوات نظيرتها اليونانية لأول مرة في التاريخ.

تبدو ألمانيا في وضع مختلف مع انتخابات 23 فبراير القادمة، حيث قد توفر القيادة الجديدة فرصة لتحسين الأداء الاقتصادي. من المتوقع أن يتولى فريدريش ميرز، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، منصب المستشار. ميرز يدعو إلى خفض الضرائب وتكاليف الأجور غير المباشرة، إلى جانب إعادة النظر في قواعد «كبح الديون» للسماح بمزيد من التحفيز المالي.

تواجه ألمانيا تحديات هيكلية، أبرزها نقص الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والصناعية، واعتمادها الكبير على الصناعات الثقيلة التي تواجه منافسة شرسة من الصين وارتفاع تكاليف الطاقة بعد فقدان الغاز الروسي الرخيص. لتحقيق الانتعاش، تحتاج ألمانيا إلى تعزيز الإنتاجية، تحرير اللوائح، وزيادة الاستثمار في الابتكار.

ومع ذلك، قد تكون العودة الألمانية بطيئة في مراحلها الأولى، حيث سيتعين على ميرز إيجاد شريك ائتلافي مناسب بعد الانتخابات.

الرهان الكبير: سندات اليورو

أحد العوامل الحاسمة لأوروبا قد يكون إصدار سندات اليورو على مستوى منطقة اليورو لتمويل استثمارات ضخمة في الأمن القومي، خاصة في المجالات العسكرية، وكذلك لتأمين مصادر طاقة أرخص على المدى الطويل وتحسين البنية التحتية عبر أوروبا. سيكون التعاون الأوروبي ضرورياً لتحقيق رؤية شاملة تنافسية مستقبلية كما أوضح ماريو دراغي في تقريره حول مستقبل التنافسية الأوروبية.

Advertisements

قد تقرأ أيضا