حال المال والاقتصاد

«الغطاء النقدي» أداة وقاية العملة المحلية من برد الأزمات المالية

ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 16 نوفمبر 2024 11:54 مساءً - غالباً ما يسمع الناس مصطلح «الغطاء النقدي» عند مرور دولة ما بضائقة مالية تؤثر في اقتصادها وعملتها المحلية بشكل ملحوظ، والغطاء لغوياً يعبر عن الدفء كنوع من الحماية، وهو ما يعنيه أيضاً عند ارتباطه بكلمة النقد، فهو أداة للوقاية من المؤثرات الضارة التي تكسر الاتزان، وكفايته قادرة على حفظ دفء العملة، بينما انحساره عنها يعرضها لبرد الأزمات القاسية.

ويعني المصطلح بشكل فني، وجود قيمة موازية للعملة من الذهب على شكل سبائك أو مسكوكات في خزائن المصارف المركزية، أو على شكل صكوك ملكية للذهب المودع لدى مصارف مركزية أجنبية، أو لدى صندوق النقد الدولي، بحيث لا تطبع الدولة أي عملة إلا ولها ما يوازي قيمتها من الذهب الخالص، حيث تعتبر الورقة النقدية سنداً أو عقداً يتعهد به البنك بقيمته المغطاة بالذهب.

ويرتبط توازن الغطاء بشكل مباشر بوجود الاقتصاد في المنطقة الآمنة ضد التقلبات الحادة، وينعكس أي إخلال به في كسر الاتزان الاقتصادي بشكل عام، فلجوء الدولة لأي سبب في زيادة المطبوع من أوراق النقد دون غطاء كافٍ، سيؤدي مباشرة لحدوث التضخم، وما يليه من عجز في موازنة وخطط الدولة النقدية، ويتخطى المعروض من النقود في أيدى أفراد المجتمع الدخل الحقيقي للبلد.

فتتوالى الارتفاعات السعرية في السلع والخدمات لمستويات غير منطقية، وتصبح خارج نطاق القدرة الشرائية للناس، فلا قيمة للمال حينئذ، ويتزايد الشرخ الاقتصادي لأقصى درجة.

ولعل الاختلاف بين اقتصاديات الدول وامتلاكها للموارد وغيرها من المقومات، قد جعل أشكال الغطاء النقدي تتعدى من مرحلة لمرحلة ومن دولة لأخرى، فظهر الغطاء الجزئي من الذهب.

حيث تستطيع المصارف المركزية إصدار النقد مقابل سندات حكومية لنسبة معينة منصوصة بالقانون، في ما يغطى فارق الإصدار أن تتخطي النسبة بالذهب، وهو نمط غير مفضل لعدم ضمانة وجود الذهب عند الحاجة، ما جعل الاقتصاديات تفضل نمطاً آخر للتغطية النسبية، حيث يغطى إصدار العملة من البداية بالذهب حتى نسبة 30 %، ثم يغطى الفارق، إذا وجد بعد ذلك، بقيمة أخرى، سواء بالسندات والأوراق المالية ذات الشروط الخاصة.

وأظهر ذلك نمطاً جديداً، بات متاحاً ومفضلاً لدى الاقتصاديات الحديثة، وهو استبدال الذهب بشكل كامل بغطاء آخر من القيم الأخرى، كالممتلكات من العملات الأجنبية وغيرها، مثل العقارات والأوراق المالية.

ويرى المختصون في هذا الشأن أن العملات والممتلكات هي الصورة الأقوى للغطاء النقدي، فقوة اقتصاد الدولة تعتمد في الأغلب على فائض ميزانها التجاري، وميزان مدفوعاتها، وبقدر الفائض من حقوق الدولة لدى الدول الأجنبية، تكون قوة الغطاء، وتتباين القيمة الخارجية للعملة، أو سعر صرف العملة المحلية بين القوة والضعف بالنسبة للعملات الأخرى، تبعاً لقوة الفائض.

فيما ظهرت أنماط أخرى من إصدار النقد، لا ترتبط بغطاء ملموس من الذهب، أو حتى من السندات أو العملات الأجنبية، أو أي من القيم الأخرى، بل من خلال إصدار محدود من النقد مقيد بالقانون التشريعي للدولة، وهو أسلوب غير مرن.

حيث لا يسعف الوقت لإصدار تشريع جديد، المصارف المركزية عند الحاجة لزيادة سقف الإصدار، فيحدث انكماش له تأثيراته السلبية بدوره في الاقتصاد، فيما لا تتقيد دول أخرى بسقف للإصدار أصلاً، وتقتضي الضرورة بتلك الدول أن تظل تلعب في مساحة متأرجحة ما بين خطورة زيادة مستويات النقد الحر في دماء الاقتصاد، أو نقص مستواه بشكل يعرضها لمخاطر الهبوط.

Advertisements

قد تقرأ أيضا