الارشيف / حال المال والاقتصاد

إن كنا سعداء فلماذا نشتري كل هذا الكم من الذهب؟

ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 19 أكتوبر 2024 11:58 مساءً - روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر

كتب كثيرون عن التناقض بين معنويات المستهلكين المتدنية، رغم قوة التوظيف وارتفاع الأجور، وهناك شيء مشابه يحدث في الأسواق، حيث يتزايد التفاؤل في السوق ورغم ذلك يواصل الذهب ارتفاعه الجنوني. هذا ليس وضعاً غريباً، لكنا اعتدنا تاريخياً أن يبلغ الذهب ذروته عندما يشعر المستثمرون بعدم الأمان. الوضع مختلف اليوم، فقد أكدت نتائج استطلاع معنويات المستثمرين الصادرة عن الرابطة الأمريكية للمستثمرين الأفراد، والتي تظهر الفرق بين التفاؤل والتشاؤم، قوة معنويات المستثمرين. وليس وحده استطلاع الرابطة الأمريكية للمستثمرين الأفراد، الذي يبرهن على ارتفاع المعنويات، فقد أظهر استطلاع مديري الصناديق العالميين الذي أجراه «بنك أوف أمريكا» هذا الشهر أكبر قفزة في المعنويات منذ يونيو 2020، إلى جانب تراجع مُخصصات المستثمرين للسندات والنقد. إذاً ما السبب وراء تسجيل أسعار هذا الأصل الكلاسيكي لمستويات عالية للغاية، وهو الملاذ الذي يستخدم للاحتياط من احتمالية وقوع شيء سيئ للغاية؟

كتبنا مرات عديدة عن غرابة مكاسب الذهب هذه، لكن دعونا نلخص أبرز النقاط في هذا الشأن:

★ لا يبدو أن سعر الذهب يستجيب بطريقة مباشرة للتضخم أو طباعة النقد، فلقد ارتفع عندما أدى أول الإجراءات المالية والنقدية الطارئة إلى زيادة المعروض النقدي في عام 2020، ثم تحركت أسعاره بشكل عرضي مع استمرار ازدياد المعروض النقدي وارتفاع التضخم، ولم تبدأ قفزات الذهب إلا عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في امتصاص السيولة، وارتفعت أسعار الفائدة وتباطأ التضخم.

★ لقد انكسرت العلاقة الطبيعية بين الذهب وأسعار الفائدة الحقيقية، ومعدل الفائدة الحقيقي هو تكلفة الفرصة لامتلاك معدن لا يحقق عوائد، لذلك عندما ترتفع معدلات الفائدة الحقيقية يميل الذهب إلى الانخفاض، لكن ليس هذه المرة.

★ بالمثل، ارتفع الذهب والدولار سوياً خلال معظم هذا العام، عادة لأن الذهب يتم تسعيره بالدولار ويرتبط عكسيا بأسعار الفائدة الأمريكية، لذا يتحركان في اتجاهات متعاكسة. وقد عادت هذه العلاقة لطبيعتها إلى حد ما مؤخراً.

★ لا تشارك أسهم شركات التعدين في المكاسب التي يحققها الذهب، فأسعار الأسهم أقل كثيراً مقارنة بالمعدن ذاته. هامش التكلفة الشامل المستدام لإنتاج أوقية من الذهب مرتفع حالياً، وهو مزيج غريب يشير إلى أن المستثمرين في شركات تعدين الذهب لا يؤمنون بأن تسجيل المعدن 2700 دولار للأوقية سيدوم، إذا كان هناك من لا يزالون يستثمرون في شركات التعدين عن الذهب.

وفي محاولة لتفسير هذه الظواهر الغريبة قد يتساءل المرء: من يشتري كل هذا الذهب؟ وعلى وجه التحديد، من كان يشتريه بعد أن تجاوز سعر 2100 دولار، المستوى الذي اعتقد العديد من الخبراء أنه سيؤدي إلى جفاف الطلب من المشترين الحساسين للأسعار؟

المُرشح الأول للإجابة عن هذا السؤال هي المصارف المركزية، فقد عززت المصارف المركزية حصة الذهب في احتياطات النقد الأجنبي لديها في عامي 2022 و2023، لكن وحسب تقرير الطلب الصادر عن مجلس الذهب العالمي كان طلب المصارف المركزية ثابتاً تقريباً خلال النصف الأول من عام 2024.

ويبقى الطلب على الاستثمار في السبائك والعملات المعدنية وصناديق التداول في البورصة ثابتا هو أيضاً، نوعاً ما، مقارنة بالعام الماضي، وفي حين يزداد الإقبال على الصناديق، لكنها رغم ذلك ما زالت أقل عما كانت عليه في هذا الوقت من العام الماضي.

ولا يبدو الطلب على المجوهرات هو الجاني أيضاً، فقد انخفض بشدة طلب الصينيين والهنود على المجوهرات، وهو طلب يمثل جزءاً مهماً من السوق العالمي، بعد ارتفاع الأسعار وتباطؤ الاقتصاد الصيني، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.

إذاً من الذي يدفع الأسعار إلى الارتفاع؟ استمعت إلى نظريات متعددة، وكان أشهرها المشتريات السرية لصناديق الثروة السيادية وصناديق التحوط، التي تحاول التربح من الأسعار، ومن المؤكد أن صناديق الاستثمار الكمي المدفوعة بالزخم ستحاول الاستفادة من أسعار أي أصل يحظى باتجاه صاعد قوي.

وبغض النظر عن المشتري فإن تحرك أسعار الذهب من 2000 دولار إلى 2700 دولار للأوقية يشي بأن الذهب ربما أصبح نوعاً مختلفاً من الأصول، بافتراض استدامة الوضع خلال الأشهر المقبلة.

وبطبيعة الحال ربما يكون سعر الذهب يستجيب إلى نشوب الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، وكذلك عدم اليقين الانتخابي الشديد في الولايات المتحدة، ويعد القلق من العوامل الجيوسياسية من أسباب ارتفاع الذهب بكل تأكيد، لكن إن كان هذا هو السبب، ألا ينبغي أن تنخفض الأسهم وتزداد تقلبات السندات؟

وفي عالم تغمره السيولة ربما أصبح الذهب أصلاً آخر يشتريه المستثمرون عندما يقررون أن لديهم الكثير من النقد في ميزانياتهم. وإن صح ذلك فهناك تفسير مختلف تماماً، وهو أن الذهب، بدلاً من الاستجابة للتحركات قصيرة أو متوسطة الأجل في أسعار الفائدة والتضخم والمعروض النقدي، يشهد تعديلاً مبنيّاً على توقعات بأننا في نظام جديد أكثر إسرافاً على الصعيد المالي، حيث يكون المعدل العادي للفائدة أعلى، وتكون البنوك المركزية تحت ضغط أكبر، وطفرات التضخم أكثر شيوعاً. في مثل هذا العالم قد يحتاج الذهب إلى مكان أكبر في المحفظة الاستثمارية المثلى.

Advertisements

قد تقرأ أيضا