ابوظبي - ياسر ابراهيم - السبت 19 أكتوبر 2024 11:58 مساءً - إن تغير المناخ ودورات الفقر والصراع الاقتصادي بين القوى العظمى يخلق مشاكل دولية تتطلب حلولاً عالمية.
عندما تم إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قبل 80 عاماً، كان العالم مختلفاً تماماً. فقد كان أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر مدقع، وكانت الحمائية منتشرة، كما كان جزء كبير من أوروبا مدمراً تماماً.
وبعد تكليفهما بمهمة إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الحرب، وتعزيز التعاون النقدي، ساعد توأما بريتون وودز في تغيير الأمور. وبالفعل انخفض الفقر بشكل حاد. وتمثل التجارة الآن أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقد انتشرت الديمقراطيات الليبرالية في جميع أنحاء العالم.
وبطبيعة الحال، لم يكن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مسؤولين وحدهما عن هذا التقدم، حيث لم تكن تدخلاتهما خالية من العيوب. ولكن بعد تسلحهما بالخبرة الفنية، وقدرات الإقراض الكبيرة، وسهولة عقد الاجتماعات، تمكن هذا الثنائي من ملء فراغ كبير حيث كان التنسيق العالمي مفقوداً. وبينما تبدأ اجتماعاتهم السنوية للمؤسستين غداً، فإنهما تواجهان مجموعة جديدة من التحديات التي تهدد بإلغاء بعض ما حققتاه حتى الآن.
فأولاً، ضعفت سلطتهما كصوت عالمي. وتحول مركز الثقل الاقتصادي والديموغرافي للعالم بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا نحو الصين والهند. لكن قوة التصويت في كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تظل لصالح الغرب بشكل غير متناسب، مما يجعل من الصعب على البلدين أن يدعيا أنهما صوت عالمي حقيقي.
وتشير التقديرات بالفعل إلى أن الصين هي أكبر دائن في العالم. وكان الدور الأكبر الذي لعبته في إقراض العالم النامي سبباً في تعقيد عمليات إعادة هيكلة ديون صندوق النقد الدولي وتقويض قروض المؤسسات، التي كثيراً ما تكون مشروطة بالإصلاحات.
ثانياً، يبتعد الغرب عن العديد من القيم الاقتصادية التي دعم الغرب كلتا المؤسستين لترسيخها. كذلك، فقد اشتدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فالحواجز الجمركية وغير الجمركية آخذة في الارتفاع، وكذلك الدعوات المطالبة بإعادة التصنيع إلى بلدان أخرى. ومن شأن أجندة «أمريكا أولاً» ثانية في عهد دونالد ترامب إذا جرى انتخابه أن تعمل على تعميق اتجاه أدى بوضوح إلى تباطؤ العولمة وذبول التعاون العالمي.
ثالثاً، يبدو العالم النامي هشاً. لذلك، حذر البنك الدولي منذ أيام من أن الحد من الفقر العالمي «تباطأ بل وصل إلى مرحلة شبه توقف تام» وسط تضرر الاقتصادات في مرحلة ما بعد الوباء، والصدمات الناجمة عن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتزايد مدفوعات الديون. كذلك تباطأت الإصلاحات الهيكلية وكان التحول الديمقراطي متفاوتاً.
وأخيراً، أدت مكافحة الانحباس الحراري العالمي إلى زيادة الضغوط المالية على بريتون وودز لدعم التحول المناخي، وبناء القدرات للصمود في جميع أنحاء العالم في مواجهة الظروف المناخية القاسية. إنها ضغوط هائلة بكل تأكيد. وهي تشدد على أهمية اعتبار التعاون العالمي سلعة ثمينة.
إن تغير المناخ ودورات الفقر والصراع الاقتصادي بين القوى العظمى يخلق مشاكل دولية تتطلب حلولاً عالمية. وكما فعلا من قبل، يتعين على البنك الدولي وصندوق النقد أن يتكيفا. ولا يمكن لأي مجموعة أخرى من المؤسسات أن تضاهي مستويات رأس المال والخبرة والدعم التي تتمتع بها هاتان المؤسستان عبر القارات. ويتشاور التوأمان حالياً حول كيفية تطورهما.
في هذا السياق، هناك بعض المجالات التي يجب عليهما التركيز عليها حيث يتعين عليهما أن يمثلا العالم الذي يسعيان إلى إدارته بشكل أفضل، وأن يستخدما مكانتهما لدى المساهمين، والمقرضين الآخرين، ومستثمري القطاع الخاص لجمع المزيد من التمويل وإعادة هيكلة الديون بشكل أسرع. كما أن علاجاتهما السياسية الرامية إلى دفع النمو وتقليص المديونية تحتاج أيضاً إلى أن تكون أكثر انسجاماً مع الحقائق السياسية على أرض الواقع.
وقد يبدو العالم الذي يواجه البنك وصندوق النقد الدوليين مختلفاً اليوم، ولكن الروح التي صيغا بها في بريتون وودز تظل على نفس القدر من الأهمية كما كانت في أي وقت مضى. وكما قال وزير خزانة الولايات المتحدة هنري مورجنثاو الابن في خطابه الختامي في مؤتمر بريتون وودز في عام 1944: «لقد أصبحنا ندرك أن الطريقة الأكثر حكمة وفاعلية لحماية مصالحنا الوطنية هي من خلال التعاون الدولي».