ابوظبي - ياسر ابراهيم - الأربعاء 16 أكتوبر 2024 11:49 مساءً - رنا فوروهر
40 % من سكان الولايات المتحدة يعيشون في المقاطعات الساحلية الأكثر عرضة للأعاصير
أثناء تغطية إعصار ميلتون، الذي ضرب الساحل الغربي لفلوريدا مؤخراً، تأثر أحد خبراء الأرصاد الجوية المشهورين كثيراً، وقال بصوت مرتجف: «معذرة، هذا مُفجع للغاية».
كانت الأوضاع سيئة للغاية، بعدما ضرب إعصار هيلين فلوريدا، وولايتي كارولينا مؤخراً، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 225 شخصاً، وتسبب في دمار كبير بالمناطق الساحلية، وحتى المدن الجبلية، مثل آشفيل، التي تقع على بعد حوالي 500 ميل من المنطقة التي ضربها الإعصار.
وقد أظهرت مقاطع الفيديو على يوتيوب للفيضانات التي شهدتها المدينة، مباني تطفو فوق السيول الجارفة. وجاء الإعصار، فيما تتواصل حرائق الغابات والجفاف في الولايات الغربية. وأثناء رحلتي الأخيرة لمدينة دنفر، أصبت بسعال شديد، بسبب الضباب الدخاني الذي غطى الأفق.
لذا، يتساءل كثيرون عن سبب كون المناطق الجنوبية والغربية من الولايات المتحدة، والتي تعد الأكثر عرضة للحرائق والفيضانات والأعاصير، ودرجات الحرارة الشديدة، هي الأماكن ذاتها التي انتقل إليها الأمريكيون بأعداد كبيرة، خلال السنوات القليلة الماضية.
ومنذ عام 2010، بدأ الأمريكيون يبتعدون عن المدن الشمالية، مثل بوسطن ونيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا، نحو المناطق الأعلى في درجات الحرارة. لذلك، ارتفعت معدلات الهجرة نحو المناطق الجنوبية والغربية من البلاد بشكل كبير، خلال جائحة «كورونا»، وأصبحت ولايات، مثل فلوريدا وتكساس وكارولينا، ومدن مثل فينيكس، وأجزاء من جبال سييرا نيفادا، وجهات جذابة للكثيرين.
وثمة أسباب عديد وراء هذه الهجرة. فخلال الوباء، رغبت أعداد كبيرة من الناس في الحصول على مساحة شخصية، وتخفيف القيود على الأنشطة اليومية، ما قادهم بطبيعة الحال إلى الولايات الحمراء في الجنوب والغرب. في حين أراد آخرون الاقتراب أكثر من الطبيعة، نظراً لزيادة فرص العمل عن بُعد، بالإضافة إلى المناخ المعتدل، وأسعار العقارات الرخيصة، والضرائب المنخفضة، وسهولة اللوائح التجارية في هذه المناطق.
وروّجت ولايات، مثل فلوريدا وتكساس، لنفسها، باعتبارها ملاذاً خالياً من القيود، على النقيض من عمليات الإغلاق في الولايات الزرقاء. وبرز إيلون ماسك كرمز لهذه الهجرة المتحررة، عندما نقل مقر شركة تيسلا من سيليكون فالي إلى ولاية تكساس.
وكان النمط الأوضح للهجرة، هو النزوح من نيويورك إلى ميامي، حيث انتقل الموظفون الأثرياء في القطاعات المالية والتكنولوجيا والخدمات من مدينة ساحلية معرضة للخطر، إلى مدينة أشد خطورة، وأطلقت صناديق التحوط والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا فروعاً في سيلكون بيتش.
وعلى الصعيد الوطني، كشفت دراسة حديثة، أجرتها مؤسسة تأمين الرهن العقاري الفيدرالية «فريدي ماك»، أن نزوح الأشخاص من مناطق ذات مخاطر مناخية منخفضة ومتوسطة، إلى المناطق عالية المخاطر، تضاعف بالفعل منذ الوباء. وحالياً، يعيش 40 % من سكان الولايات المتحدة في المقاطعات الساحلية الأكثر عرضة للأعاصير.
كذلك، شهد صافي الهجرة إلى المناطق الأكثر تعرضاً لخطر حرائق الغابات ارتفاعاً بنسبة 146 %، منذ عام 2020.
لذلك، لم يكن مفاجئاً أن تكشف دراسة أجراها الاحتياطي الفيدرالي لعام 2023، حول اقتصادات الأسر وصنع القرار، أن 16 % من البالغين الأمريكيين أفادوا بتعرضهم لأنواع مختلفة من الاضطرابات الشخصية أو أضرار في الممتلكات، بسبب الكوارث الطبيعية خلال الـ 12 شهراً الماضية.
وبينما واجهت البلاد في المتوسط كارثة طبيعية، بقيمة مليار دولار كل 4 أشهر في الثمانينيات، فإن هذا الرقم ارتفع إلى كارثة كل 3 أسابيع فقط، وفقاً لتقرير التقييم الوطني الخامس للمناخ، الصادر عن الحكومة العام الماضي. فقد بلغت التكلفة الإجمالية للكوارث المناخية والطقس في الولايات المتحدة خلال عام 2023، مستوى هائلاً، عند 165 مليار دولار، ومن المحتمل أن يتجاوز عام 2024 هذا الرقم.
وحتى الآن، كان الأفراد والشركات على استعداد لتجاهل المخاطر المالية والبشرية طويلة الأجل، في سبيل المكاسب قصيرة الأجل التي تأتي في شكل دعم كبير للشركات، ووجود لوائح تنظيمية متساهلة، مع خفض الضرائب، وتراجع أسعار العقارات.
لكننا نتساءل عما إذا كنا قد وصلنا الآن إلى نقطة حرجة. وبداية، باتت أقساط التأمين غير معقولة، وارتفعت بنسبة 33 % على المستوى الوطني منذ الوباء، في حين ارتفعت في المناطق الأكثر عرضة للخطر إلى نسبة مضاعفة أو بثلاثة أضعاف.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الولايات المتحدة معرضة بشكل أكبر لمخاطر التغير المناخي، من العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل ألمانيا وإيطاليا وإندونيسيا أو البرازيل. وكما تقتضي السياسات الأمريكية ومستويات الديون زيادة علاوات تحمل المخاطرة، فإن المخاطر المناخية قد تتطلب نفس الشيء هي الأخرى.
بطبيعة الحال، هناك سلسلة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من هذه المخاطر على مستوى الولايات، والمستوى الفيدرالي - بداية من تعزيز شبكات الكهرباء وتحديث البنية التحتية في المناطق الساحلية، إلى تطوير خطط التدفئة في المناطق الحضرية، وتحسين إدارة الغابات لتقليل مخاطر الحرائق.
وعلى الرغم من ذلك، من المثير للاهتمام، أن قلة من الأمريكيين يؤيدون حظر البناء أو الإجبار على الترحيل القسري من المناطق عالية الخطورة، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة بيو. وكما هي الحال دائماً، نريد أن نحقق كلا الأمرين.
لكن ثمّة أدلة على وجود اتجاه معاكس. فقد سلطت ورقة بحثية حديثة صادرة عن الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، بعنوان «الهجرة من الحزام الجليدي إلى الحزام الشمسي: هل نشهد نهاية هذه المرحلة؟»، الضوء على الانخفاض الملحوظ في أنماط الهجرة من المناطق الباردة إلى الدافئة، بين الشباب الحاصلين على شهادات جامعية، الذين يشعرون بقلق بالغ إزاء تغير المناخ.
وأخبرتني ابنتي، وهي طالبة جامعية حديثة التخرج، أنها قررت البقاء في شيكاغو، ليس فقط بسبب توافر مساكن بأسعار معقولة، ولكن لأنها تتمتع «بمناخ بارد، بالقرب من مساحة شاسعة من المياه العذبة». وهكذا تكون حسابات جيل ولد في عالم يعاني من الاحتباس الحراري.