كتب باسل النجار - الأربعاء 20 سبتمبر 2023 01:03 مساءً - حال الخليج – وكالات
يقول القانون الأول للحركة الذي وضعه عالم الفيزياء الشهير اسحاق نيوتن إن “كل جسم يحافظ على وضع السكون أو وضع الحركة بانتظام للأمام ما لم تؤثر عليه قوى خارجية”. ويعتبر هذا القانون، الذي وضعه نيوتن في كتابه “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” الصادر في طبعته الاولى باللغة اللاتينية عام 1687 أساساً لكثير من قوانين الحركة والميكانيكا وعلوم الفضاء والطيران حتى تاريخنا هذا.
ولكن باحثا في مجال الفلسفة والعلوم يرى الآن أن تحريفا طفيفا في الترجمة ربما يكون قد ترتب عليه فهم خاطئ لما قصده نيوتن عندما وضع قانونه الأول للحركة، وأن هذا الخطأ يستدعى إعادة دراسة أو تحليل القانون بشكل أفضل من أجل فهمه على النحو الصحيح.
وفي ورقة بحثية نشرتها الدورية العلمية Philosophy of Science المتخصصة في مجال فلسفة العلوم، يقول الفيلسوف دانيال هوك من جامعة فيرجينيا تيك الأمريكية أن كثيرا من الفلاسفة والعلماء على مر العصور قاموا بتفسير قانون الحركة الأول على اعتبار أنه يتعلق بالأجسام التي لا تؤثر عليها قوى خارجية، حتى أن العالم براين إيلياس المتخصص في قوانين نيوتن أعاد صياغة قانون الحركة الأول عام 1965 بحيث يقول إن “كل جسم لا يتعرض لتأثير قوى خارجية يستمر في وضعية السكون أو الحركة المنتظمة في خط مستقيم”. ولكن هذا التفسير ينطوي على بعض الغموض من وجهة نظر هوك، لأنه لا يوجد في الكون أجسام لا تتأثر بقوى خارجية، وبالتالي ما الذي يجعل نيوتن يضع قانونا عن أشياء ليس لها وجود.
ويعتقد هوك أن نيوتن في حقيقة الامر لم يكن يقصد الحديث عن أجسام خيالية لا تؤثر عليها قوى خارجية، وأن ترجمة “ما لم تؤثر عليها قوى خارجية” يقصد بها في الحقيقة أن “وضع السكون أو الحركة للجسم يتغير فقط عندما تؤثر عليه قوى خارجية”. ومن هذا المنطلق، أعاد هوك صياغة قانون الحركة الأول من وجهة نظره بحيث يكون “كل تغيير في وضع الجسم من حيث الحركة أو السكون هو ناتج عن القوى التي تؤثر عليه”. وربما يكون هذا الاختلاف في الترجمة مسألة أكاديمية بحتة، لاسيما وأن قانون النسبية الذي وضعه ألبرت أينشتاين قد تجاوز بالفعل ما وصل إليه اسحاق نيوتن. ولكن روبرت دي سال المؤرخ في مجال الفلسفة والعلوم بجامعة ويسترن الكندية يقول إن أينشتاين قام بتأسيس نظريته اعتماداً على قوانين نيوتن، بل وأن بعض العلماء اعتمدوا على الترجمة الخاطئة للقانون الأول ليدفعوا بأن هناك تناقضات فلسفية أساسية بين نظريات كل من نيوتن وأينشتاين. وأوضح دي سال في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني ” ساينتفيك امريكان” المتخصص في الأبحاث العلمية أن بعض الانتقادات على سبيل المثال تقول إن قانون الحركة الأول الخاص بنيوتن هو قانون “دائري” في معناه، لأنه يقول إن الأجسام التي لا تؤثر عليها قوى خارجية تتحرك بشكل مستقيم أو تظل ساكنة، ولكن السؤال هو “كيف نعرف أن الأجسام لا تؤثر عليها قوى خارجية سواء إذا كانت ساكنة أو تتحرك في خطوط مستقيمة؟”. ويرى دي سال إن الورقة البحثية التي وضعها هوك تجعل من السهل فهم الخطأ في الترجمة الاصلية لقانون نيوتن، لأنها تكشف أن نيوتن لم يقصد أن يجعل قانونه يتعلق بأجسام خيالية ليس لها وجود، بل وأن معاصريه من العلماء فهموا القانون بشكله الصحيح، ولم يقوموا بتفسيره على الوجه الخاطئ. ويقول جورج سميث الفيلسوف بجامعة تافتس الأمريكية إن كتابات نيوتن اللاحقة أوضحت أن قانونه الأول كان يقصد جميع الأجسام، وليس فقط الأجسام التي لا تؤثر عليها قوى خارجية. وأضاف سميث المتخصص في كتابات نيوتن: “النقطة الأساسية في القانون الأول هي الاستدلال على وجود هذه القوى”. ويوضح سميث أنه في عصر نيوتن، لم يكن من المسلم به في الأساس أن جميع الأجسام تتطلب وجود قوى مؤثرة من أجل التحرك، وكانت هناك كثير من النظريات العلمية القديمة التي تقول إن الأجسام لديها قوى داخلية تدفعها للحركة، فأرسطو على سبيل المثال كان يؤمن بوجود أجرام سماوية مصنوعة من مادة أطلق عليها اسم “إيثر”، وأن هذه الأجسام كانت تتحرك من تلقاء نفسها في دوائر. ولكن نيوتن أنكر وجود مثل هذه الأجسام في كتاباته، وأشار إلى أنه لا توجد أجسام متحررة من القوى الخارجية التي تؤثر عليها.
وترجع الورقة البحثية هذا الخطأ في فهم قانون الحركة الأول إلى ترجمة الباحث أندرو موتو لنص القانون من اللاتينية إلى الانجليزية عام 1729، والذي تضمن عبارة “ما لم تؤثر عليها قوى خارجية”، وأن هذا الخطأ هو الذي أدى إلى تحريف القانون بحيث يبدو كما لو كان يتناول الأجسام التي لا تؤثر عليها قوى خارجية، في حين أنه في حقيقة الأمر يشرح القانون أن كل الأجسام تتفاعل مع القوى الخارجية، حسب وجهة نظر هوك. واستطرد قائلا: “على الأرجح لم يرجع أحد لمراجعة النسخة الأصلية للقانون المكتوبة باللغة اللاتينية”.
ونقل “ساينتفيك أمريكان” عن عالم الفيزياء رامون بارثيليمي من جامعة يوتا الأمريكية قوله إن التفسير الجديد لقانون الحركة الأول هو “أكثر اكتمالا”، ويؤكد أن الكلمات التي يستخدمها العلماء في نقل أفكارهم يكون لها تأثير كبير على فهم هذه الأفكار. ويرى أنه “من الممتع حقا أن يستمر الناس في التباحث بشأن هذا الأشياء” مضيفا أن هذا الجدل يظهر أنه لا تزال هناك مناقشات، وأن ذلك يفسح المجال أمام طلاب العلم للانخراط في دراسة التفسيرات المختلفة للقوانين العلمية، واعتبر أن ذلك يشكل طريقة مثيرة كي ينغمس الناس في علوم الفيزياء بشكل أكبر.