خبر «الراي» يفتح باب النقاش القانوني المُتشعّب: 3 قراءات مختلفة لإلغاء «المعاشات الاستثنائية»

كتب ناصر المحيسن - الكويت في الأربعاء 19 أبريل 2023 06:08 مساءً - تفاعل عدد من الأكاديميين القانونيين والمحامين مع ما نشرته «الراي» في عددها الصادر أمس (الأربعاء) في شأن «توجه الحكومة لإلغاء المعاشات الاستثنائية للقياديين المتقاعدين»، أُسوة بالقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء الإثنين الماضي بإلغاء المعاش الاستثنائي الممنوح للوزراء الواردة أسماؤهم في المرسوم رقم 191 لسنة 2022.

Advertisements

وانقسمت القراءات القانونية إلى ثلاثة:

- الرأي الأول يؤيد إلغاء هذه المعاشات الاستثنائية وإعادة تلك الأموال للدولة.

- الرأي الثاني يؤيد الإلغاء بأثر فوري من دون رد الأموال التي صُرِفت.- الرأي الثالث يرى أن يتم إلغاء القانون الذي تم بموجبه منح تلك المعاشات الاستثنائية أو تعديله.

محمد الفيلي: إلغاء القانون أو تعديله أحصف من إلغاء المعاشات الاستثنائية

- المستقر عليه للقرار الفردي هو عدم جواز إلغائه ما دام أساسه التشريعي قائماً

- قرارات إلغاء المعاشات الاستثنائية قد يتم إلغاؤها بموجب أحكام قضائية

أوضح الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي لـ«الراي» أن «المعاشات الاستثنائية أصلها قانون يُجيز لمجلس الوزراء تقرير صرفها لأشخاص بذاتهم»، مشيراً إلى أنه «تم استخدام هذه الرخصة الاستثنائية كوسيلة لإقناع قياديين في مرافق متعددة بطلب الإحالة للتقاعد، بغرض صعود من يليهم للمواقع التي يشغلونها بغرض تسريع تجديد الكوادر، وقبل عدد منهم ورتّب أموره وفق هذا العرض من الإدارة».

وبيّن أن «الإسراف في تقرير هذه المعاشات ومدها لمصلحة بعض الوزراء أوجد حالة من الشك في سلامة هذه القرارات أو ملاءمتها، فقرارات المعاشات الاستثنائية للوزراء لا تنطلق من ذات الاعتبارات التي كانت أساس القرار بالنسبة للقياديين»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «القضاء مستقر على أن الأصل في القرار الفردي المرتب لحقوق للمستفيد هو عدم جواز إلغائه، وأساس هذا التوجه هو فكرة استقرار الأحوال والمراكز التي رتب المستفيد من القرار أمره وفقها».

وأشار إلى أن «محكمة التمييز في الكويت في حيثيات حكم صدر عنها بتاريخ 23 نوفمبر 2022 عرضت من باب الاستطراد للطبيعة الاستثنائية لهذه المكافأة، ويبدو أنها انطلقت من هذه الطبيعة لتقرير جواز إلغائها. في الحكم المشار له لم تكن هذه الجزئية هي جوهر النزاع المطروح على المحكمة بما يسمح بالقول إن القضاء إذا عرض عليه النزاع من الممكن لا يأخذ برأي محكمة التمييز في حكمها الحديث ويأخذ بالتوجه المستقر عليه بالنسبة للقرار الفردي، وهو عدم جواز إلغائه ما دام أساسه التشريعي قائماً، وهو قد صدر مشروعاً في إطار أحكام هذا القانون».

وخلص الفيلي إلى أن «إلغاء القانون أو تعديله أحصف من إصدار قرار إداري بإلغاء كل المعاشات الاستثنائية، مع تعرض الإدارة لاحتمالية إلغاء قراراتها بأحكام قضائية، ويبدو أن رأي إدارة الفتوى وهي المستشار القانوني للحكومة يصب في هذا الاتجاه أيضاً».

«منح ميزات للقياديين كان هدفه تشجيعهم على التقاعد وفتح الآفاق للقيادات الجديدة»

محمد ذعار العتيبي: ما الداعي للعدول عن القرار بعد صدوره؟

أكد رئيس جمعية النزاهة الوطنية الكويتية المحامي محمد ذعار العتيبي، في تصريحات لـ«الراي»، أن «القرارات الإدارية يتم تحصينها خلال مدد معينة، وبعدها تصبح هناك مراكز وصفات قانونية من الصعب إزالتها إلا بقرارات جديدة»، معتبراً أن «مثل هذه المواقف من إصدار قرارات مهمة، لها آثار مالية على خزينة الدولة وتنفيذها قد يخلق نزاعات قضائية أمام القضاء الإداري».

وتساءل العتيبي: «ما الداعي للعدول عن هذا القرار بعد صدوره؟ فمن المفترض أنه كان له أهداف وغايات»، مضيفاً «لماذا لم تتم دراسة هذا القرار الذي جاء لمنح ميزة أفضل للقياديين لتشجيعهم على التقاعد وفتح الآفاق للقيادات الجديدة، فلو أنه تمت دراسة هذا الجانب لكان تم توفير خدمات ومميزات بعيداً عن التكلفة المالية، إن كانت هذه التكلفة هي سبب التوجه نحو الإلغاء».

واختتم بالقول: «إن كانت هذه القرارات لا تمثل إرهاقاً للمال العام، فأعتقد أنه طالما صدرت وتم التنفيذ فإن سحبها قد يؤثر على الثقة في اتخاذ القرار لاحقاً».

«آثار السحب تختلف عن آثار الإلغاء الفوري المستند على أسباب قانونية صحيحة»

محمد ناصر العتيبي: حكم حديث للتمييز أعطى مجلس الوزراء حق إنهاء الاستحقاق الاستثنائي بأثر فوري

قال الدكتور محمد ناصر العتيبي لـ«الراي»، إن «الأصل في القرار الإداري إنه موقت الأثر ومهما طالت مدة بقائه وسريانه ونفاذه فإن لهذا السريان حداً ينتهي إليه بزوال ذلك القرار، مما يعني توقف إنتاج القرار لجميع آثاره القانونية واختفائه من عالم القانون»، مؤكداً «أحقية الإدارة التي أصدرت القرار من تعديله أو إلغائه أو سحبه أو أن تصدر قراراً مضاداً له».

وفي ما يتعلق بإلغاء المعاشات الاستثنائية، بيّن العتيبي أن «تلك المعاشات هي تلك المبالغ التي لم تستحق بموجب علاقة وظيفية، أي ليست مرتباً شهرياً ولا أجراً مقابل عمل، وإنما هي وفق ما قرره المشرع في المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية معاش أو مكافأة استثنائية. وقد أجاز المشرع لمجلس الوزراء منح معاش أو مكافأة استثنائية لفئات حددها القانون»، موضحاً أن «المشرع أعطى سلطة تقديرية لمجلس الوزراء في تقدير أسباب منح المعاش أو المكافأة الاستثنائية».

وأشار إلى ما قررته محكمة التمييز في حكم حديث لها جاء بحيثياته التأكيد على «أحقية مجلس الوزراء في إنهاء الاستحقاق الاستثنائي بأثر فوري حال إخلال المستفيد أو مخالفته لاعتبارات التي من أجلها تم إقرار المعاش الاستثنائي أو الأسباب التي يقدرها مجلس الوزراء»، معتبراً أن «التفسير القضائي للمادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية قد بين مدى السلطة التقديرية الواسعة لمجلس الوزراء في شأن إقرار أو إنهاء المعاشات الاستثنائية ونحن نؤيد هذا التفسير القضائي المنطقي».

واختتم بالقول: «نرى من جانبنا أنه لا يتصور جواز سحب تلك القرارات وذلك كون آثار السحب تختلف عن آثار الإلغاء الفوري المستند على أسباب قانونية صحيحة، إلا إذا كانت تلك القرارات السابقة انطوت على غش أو تدليس فيكون من حق مجلس الوزراء سحب تلك القرارات واسترداد ما صرف بموجبها».

فيصل الحيدر: أؤيد بشدة رأي الحكومة في ما ذهبت إليه

قال الدكتور فيصل الحيدر لـ«الراي»: «أؤيد بشدة رأي الحكومة في ما ذهبت إليه من توجه لإلغاء المعاشات الاستثنائية التي منحت للقياديين المتقاعدين، ورأي إدارة الفتوى والتشريع غير ملزم للحكومة»، مشيراً إلى أن «الرأي القانوني يتمثل بأن يتم الاكتفاء بالإلغاء، من دون المطالبة باسترداد المعاشات الاستثنائية التي تم صرفها».

وأضاف: إن «المادة ( 7) من الدستور الكويتي تنص على أن (العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين)، والمادة رقم ( 29) تنص على أن (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين)، ومفاد ذلك أنه لا يجوز التفريق بين المواطنين فهم متساوون».

«خدمة البلد من خلال المناصب القيادية لا تعطي الحق بأخذ أموال عامة غير مستحقة»

دويم المويزري: إلغاء المعاشات وإعادة الأموال للدولة

في رأي مخالف للرأيين السابقين، اعتبر المحامي الدكتور دويم المويزري، في تصريح لـ «الراي» أن «المعاشات الاستثنائية بدعة قانونية غير مقبولة، لأن الناس سواسية في الحقوق والواجبات كما نص عليه دستور الكويت، فلا يجوز تفضيل فرد علي فرد»، لافتاً إلى أن «المعاشات الاستثنائية يتم أخذها من أموال الدولة من دون وجه حق، وإن كان لا بد من ذلك فيجب أن يكون للجميع للاستفادة من أموال بلادهم».

وشدد المويزري على أن «إلغاء هذه الرواتب واجب على مجلس الوزراء وإعادة الأموال للدولة»، موضحاً أن «خدمة البلد من خلال المناصب القيادية لا تعطي الحق بأخذ أموال عامة غير مستحقة بسبب هذا المكان القيادي، فالجميع سواسية وخدمه البلاد واجبة».

وطالب مجلس الوزراء بـ «إلغاء جميع الرواتب الاستثنائية المخصصة للوزراء وأعضاء مجلس الأمة والقياديين وغيرهم، حفاظاً على الأموال العامة وترسيخ العدل بين المواطنين، لأن هذا الأمر مستحق وواجب التنفيذ».

«الكثير من القياديين أعطوا هذا الاستثناء للتقاعد مبكراً والتنازل عن الفترة المتبقية لهم»

إبراهيم الحمود: قرار منح المعاش صدر سليماً وأنشأ حقوقاً... ولا يمكن إلغاؤه

اعتبر أستاذ القانون العام في كلية الحقوق الدكتور إبراهيم الحمود أنه «لا يمكن إلغاء المعاشات الاستثنائية للقياديين باعتبار أنها قد صدرت وفقاً لأحكام القانون».

وقال الحمود لـ«الراي»، إن «القرارات سليمة وغير معيبة ويتعلق بها حق، فهي أنشأت حقوقاً مكتسبة».

وأضاف أن «الكثير من القياديين قد تمت إحالتهم إلى التقاعد بوجود متطلبات أولية من ضمنها أن يحصلوا على المعاش التقاعدي إذا قاموا بالتقاعد قبل بلوغهم السن، وقبل انتهاء مدة المرسوم»، مشيراً إلى أن «الكثير منهم لا يزال في العمر الذي يستطيع أن يكمل وظيفتة القيادية، كما أن الكثير منهم لم ينتهِ مرسومه في الوظيفة القيادية، إنما أعطي هذا الاستثناء حتى يتنازل عن الفترة المتبقية».

ورأى أن قرار المنح صدر سليماً قائماً على أسبابه في الواقع والقانون، ولايمكن إلغاؤه باعتباره قراراً فردياً ومن القرارات المنشئة للحقوق، ولايمكن إلغاؤها بحسبان أنه يتعلق بها حق لهذا الشخص المتقاعد.

أخبار متعلقة :